مخاوف من تجرّؤ الإسلاميين على مجلة الأحوال الشخصية التي ثبّتت حقوق النساء
محللون: حضور المرأة التونسية السياسيّ ضعيف ولا يترجم قدراتها
زمردة دلهومي محمدي من تونس
GMT 7:30:00 2011 الإثنين 28 نوفمبر
var addthis_config = {data_ga_property: 'UA-810927-2',"data_track_clickback":true, ui_language: "ar"};
وصول الإسلاميين إلى الحكم في تونس، بتحصلهم على غالبية مقاعد المجلس التأسيسي الذي سيسنّ دستورا جديدا للبلاد، كان محركا لدى الحركة النسوية في تونس لتطلق صيحات فزع وهواجس بخصوص إمكانية التراجع عن المكتسبات الحداثية للمرأة. |
تونسيات تظاهرن أمام المجلس التأسيسي للمطالبة بتثبيت حقوقهنّ في الدستور الجديد |
تونس: تشهد تونس خلال هذه الأيام حراكا سياسيا كبيرا ارتبط بانطلاق أولى جلسات المجلس التأسيسي، ورغم أن الانتخابات التي جرت يوم 23 من الشهر الماضي، مثلت حدثا تاريخيا بارزا غيّر مسار البلاد، فإن العديد من المخاوف ما زالت تطفو على الساحة السياسية لعل أهمها ما يتعلق بحضور المرأة في المشهد السياسي وحقوقها التاريخية التي تضمنها مجلة الأحوال الشخصية.
تقول السيدة جويدة قيقة المستشارة القانونية برتبة محكم دولي إنّ مجلة الأحوال الشخصية التونسية وثيقة جاهدت كل الأطراف من أجل توثيقها واختيار بنودها وكل فصل فيها حق للأسرة التونسية والمرأة التي تمثل الأم والزوجة وربة البيت وبالتالي فإن مجلة الأحوال الشخصية حق يجب على كل الأطراف الفاعلة في المجلس التأسيسي والحكومة الجديدة احترام بنوده وعدم المساس به فهو وثيقة تكرّس هوية الأسرة التونسية عموما والمرأة بصورة خاصة التي تفوّقت من خلال العديد من الإجراءات والامتيازات وأصبحت نموذجا يحتذى.
حضور ضعيف جداوقالت جويدة قيقة لـ"إيلاف" إنّ المرأة التونسية ناضلت من أجل بقائها وليست مستعدة إطلاقا إلى التضحية بكل مكاسبها والعودة إلى الوراء، وما يجب أن يفهمه القادة والزعماء الجدد أن مجلة الأحوال الشخصية لا يمكن بأي شكل من الأشكال المساس بها أو إدخال أي تحوير من شأنه أن يعيد المرأة أو الأسرة إلى نقطة الصفر ويضر بالتماسك الأسري الذي يجب العمل على احترامه وتكريس مبادئه".
واعتبرت أن وجود المرأة في الساحة السياسية هو وجود ضعيف جدا ولا يترجم قدراتها بالمقارنة مع ما يجب أن يكون وما هو منتظر فالمرأة سئمت السياسة ولم تعد مستعدة لخوض تجارب جديدة قد تقلل من أهميتها، أضف إلى ذلك أنّ المرأة إذا تسيّست بالتأكيد ستضر بحياتها الشخصية أمام بريق تألقها السياسيّ وعموما فان العقلية الذكورية التي تؤلّه الرجل تنتشر بكثرة في الدول العربية وهي تمنحه كل الصلاحيات ليحكم، أما المرأة فهي مجرد صورة لا غير وهذا ما لا يمكن القبول به.
وأثار فوز حزب النهضة الإسلامي بغالبية مقاعد المجلس التأسيسي مخاوف الليبراليين واليساريين وبعض الجمعيات النسوية بخصوص حقوق المرأة.
وتظاهرت مئات من المدافعات عن حقوق المرأة في تونس عقب فوز النهضة للإصرار على ترسيخ حقوقهن التي نصّ عليها قانون الأحوال الشخصية.
وجاء هذا التحرك تلبية لدعوة أطلقها مواطنون عبر المواقع الاجتماعية والرسائل النصية القصيرة.
وأعرب العديد من النساء في تونس عن خشيتهن من التراجع عن مكتسبات المرأة التي حازتها خلال العقود الماضية، إثر فوز حزب النهضة الإسلامي.
ورفعت المتظاهرات، من بينهنّ نساء متحجبات وغير متحجبات من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية احتشدن في ساحة الحكومة في القصبة منذ ايام، لافتات كتب عليها "من اجل المحافظة على مكتسبات المرأة التونسية" و"التونسيات احرار" و"من اجل دستور يحمي حقوق المرأة".
كما رفعت شعارات من بينها "لا تهاون ولا رجوع على مكاسب المرأة في الدستور و"التونسية حرة والرجعية على برة".
وقالت جويدة قيقة المستشارة القانونية انه ورغم ما تتمتع به المرأة من قوانين تقدمية فريدة من نوعها في العالم العربي الإسلامي ورغم العدد الكبير الذي تزخر به البلاد من نساء مثقفات وقادرات على الإضافة في الحقل السياسي إلا أن هذا الحضور لا يمكن أن يمثل النساء عموما في تونس وان العمل السياسي بالنسبة إلى المرأة لا يقتصر على مجرد الحضور الشكلي بالمنابر والمجالس السياسية العامة حتى تكون الصورة التسويقية كاملة وجيدة بل هو أعمق من ذلك بكثير.
وأضافت أن وجود المرأة في الحقل السياسي ومبدأ التناصف في الأحزاب لم يمنح لها على طبق من ذهب بل هو استحقاق نالته بجدارة خاصة بعد الثورة التي سجلت حضورا مرتفعا للمرأة التي بلغت من الوعي والحضور في المنظمات المهنية والسياسية والمجتمع المدني ما يجعلها قادرة على الإضافة وتحقيق المكاسب في جميع المجالات ورغم ذلك فإن الوجوه الفاعلة في البلاد من العنصر النسائي تعمل في الخفاء دون النفاذ إلى الدائرة السياسية.
من جهتها، قالت الأستاذة ريم الشارني الناشطة الحقوقية إن وجود المرأة في الساحة السياسية أمر ضروري جدا حتى تتمكن من الحفاظ على مكتسباتها والدفاع عن حقها وحق جميع النساء ممن تمثلهن في الميدان السياسي، وقالت إن الرجل إذا تفرد بالقرار فبحكم غريزته البشرية لن يبت في الأمور بموضوعية شاملة بل إن قراراته ستكون نسبية ولا تخدم المرأة إلا إذا كانت القرارات مشتركة، والمرأة هي مكمل للرجل ومهما اختلفت التوجهات لكل منهما ففي نهاية المطاف يجب أن يظل الهدف مشتركا والغاية واحدة.
وقالت الشارني إنّ حضور المرأة في المشهد السياسي الجديد سيمنحها فرصة تاريخية لتكريس المساواة في الدستور الجديد للبلاد وتجسيد المعايير العالمية لتحقيق الأهداف المرجوة.
العمل في الخفاءوحول عزوف بعض النساء عن الحراك السياسي قالت ريم الشارني إن التجربة التي خاضتها أغلب النساء من الناشطات في الحقل السياسي ضمن سياسة الرئيس السابق لم تكن تجربة مشرفة بل على الع----أساءت إلى صورة المرأة الناشطة وخرجت منها بيد فارغة وأخرى مليئة بالمحاكمات والإشاعات وبالتالي فإن هذه التجربة جعلت بعض النساء يفضلن العمل في الخفاء بدل الظهور تحت المجهر والأضواء.
وقالت إن تجربة المرأة التونسية ضمن الحزب الحاكم السابق أساءت بشكل كبير إلى صورتها وأطفأت بداخلها قبس النشاط والطموح وجعلتها تخشى أن تظل مقيدة في براثن الماضي ورهينة للصورة النمطية التي دوّنها التاريخ ولن تنمحي.
وعموما ترى الشارني أن ما يجب أن يتغير في تونس ليس الأشخاص بل المنظومة السياسية التي يجب أن تحترم علوية الدستور الذي سيؤسس للبلاد الجديدة، والمرأة بفضل تكوينها الفكري والاجتماعي وكفاءتها قادرة على المساهمة الفعّالة في صياغة مستقبل الأجيال الجديدة.
من جانبه، يرى السيد أحمد بن يوسف وهو محلل سياسي وباحث في الاقتصاد أنّ تهميش دور المرأة السياسي هو تهميش لتاريخ بأكمله، فالمرأة التونسية اضطلعت بدور ريادي خلال ثورة 14 كانون الثاني/ يناير.
فالمرأة حسب بن يوسف، خرجت، ورفضت، وثارت، وصرخت، واعتصمت، في ميدان القصبة وتحمّلت المشاق والصعاب وقدمت الكثير للبلاد وهو ما لا أحد يستطيع أن ينكره وحتى إن أنكر عليها الأفراد هذه الريادة فالتاريخ يوثقه عبر الصور ومقاطع الفيديو التي أظهرت المرأة في نضال مستمر.
ويتابع: " الوقت اليوم مناسب لتجني المرأة ثمار ثورتها وما قدمته من تضحيات جسام لأجل إعلاء راية الحرية والديمقراطية في البلاد ويجب على الرجل مهما علا منصبه أن يحترم المرأة في حقها وفي ما هو مؤتمن عليه من بلاد وعباد، ومن باب التكامل بين الجنسين فإن البلاد في حاجة إلى تضافر جهود نسائها ورجالها لبنائها بناء قويا متماسك الأصول، فالمرأة متخوفة من اقتحام الحياة السياسية وربما أن المساحة الكبيرة التي منحها الإعلام للرجل بعد الثورة جعل دور المرأة يتقلص نسبيا أو ربما يختفي وهو ما يجب العمل على إلغائه فالمرأة مكمل للرجل وهي نصف المجتمع وبالتالي فإن الحياة السياسية لا يمكن أن تستقيم معالمها بنصف واحد، ودور المرأة لم ينته عند الثورة فحسب بل هو مستمر في عملية البناء والتشييد وعلى الرجل أن يحترم مكانة المرأة إلى جانبه".
وعن بنود مجلة الأحوال الشخصية قال بن يوسف إنها أمر مفروغ منه ولا يجب أن تمسّ بأيّ حال من الأحوال وقال إن أي تغيير في مجلة الأحوال الشخصية سيسيء إلى الأسرة التونسية والمرأة على حد سواء كما سيعطي صورة سيئة عن القيادات الجديدة في المجلس التأسيسي.
وما يجب احترامه هو الحريات بكل أنواعها حتى لا يكون الدستور الجديد سكينا يوضع على الرقاب إضافة إلى دور المرأة في الحياة السياسية الذي يجب أن يتجاوز صورته النمطية الباهتة والتي لا تعدو أن تكون ديكورا يكمل مشاهد المسرحية السياسية إلى تقمص دور البطولة بجانب الرجل حتى تتمكن من المشاركة الفعالة في بناء دولة متماسكة البناء والأسس.